وصف عام لإسبانيا
إسبانيا دولة ملكية تقع في غرب البحر الأببيض المتوسط ، مساحتها 504.750 كيلومترا ، وسكانها 40 مليون نسمة سنة 1991 . وتحد إسبانيا شمالا فرنسا والمحيط الأطلسي ، وغربا البرتغال وجنوبا مضيق جبل طارق الذي يفصلها عن المغرب ، وشرقا البحر الأبيض المتوسط . وتكون إسبانيا مع البرتغال شبه الجزيرة الإيبرية وتفصلها عن فرنسا جبال البرانس ، وتتبع إسبانيا الجزر الشرقية في البحر الأبيض المتوسط ، وهي ميورقة ومنورقة ويابسة وفرمنتيرة ، ومساحتها 5.014 كيلومترا مربعا وسكانها 766.000 نسمة( 1991 ) ، وكذلك الجزر الخالدات المقابلة للشاطئ المغربي على البحر المحيط ، ومساحتها 7.273 كيلومترا مربعا وتعداد سكانها 1.600.000 (1991 ) . ويتكون القسم القاري من إسبانيا من هضبة تحدها من جهاتها الأربع جبال عالية كشارات الثلج في الجنوب ، وأعلى قمة فيها قمة أم الحسن وعلوها 3.478 مترا فوق سطح البحر ، وفي الشرق شارات كونكة وابن الرزين ، وفي الشمال شارات وادي الرمان ، وأعلى قمة فيها المنصور وعلوها 2.592 مترا فوق سطح البحر . وتتخلل هذه الجبال سهول نهرية وساحلية كانت مركزا للحضارة الإسلامية قديما . و أهم أنهارإسبانيا الوادي الكبير ووادي تاجه ونهر إبره ونهر الدويرة .
وتتجزأ إسبانيا إداريا إلى 17 ولاية ذات استقلال ذاتي وهي :
الأندلس وأراغوان و ستورياش وقشتالة ليون وقشتالة مانشة وقطلونية وإسترامدورة وجليقية ومرسية ونبارة وبلنسية
والجزر الشرقية والجزر الخالدات و أوسكادي وقنتبرية ومجريط ولاريوخا . و أهم مدن إسبانيا اليوم العاصمة مدريد وبرشلونة وبلنسية و إشبيلية وسرقسطة وقرطبة وغرناطة . حكم إسبانيا منذ الحرب الأهلية التي دامت بين سنة 1936 وسنة 1939 ، الجنرال فرانكو . وبعد موته سنة 1975 أصبح خوان كارلوس ملكا على البلاد .
و إسبانيا بلاد زراعية لكن الصناعات أخذت تنتشر خاصة في المناطق الشمالية ، ويزور إسبانيا كل سنة ملايين السواح حتى أصبحت السياحة من أهم مشاغل البلاد في مناطق مختلفة خاصة في الأندلس .
2 - تاريخ الوجود الإسلامي قبل سقوط غرناطة :
كانت الجزيرة الإيبيرية ،قبل دخول الإسلام لها ، تعيش تحت حكم الغزاة القوط وقد استنجدوا بالمسلمين حينما وصلوا إلى المغرب ، فأنجدهم رئيس الجيوش الإسلامية في المغرب موسى بن نصير بإرسال أحد قواده وهو طارق ابن زياد على رأس جيش أغلبه من المغاربة. فساند الأهالي هذا الجيش ، وتحررت الجزيرة بأكملها بين سنتي 711 و 713 م .
وقد أصبحت المنطقة الجديدة مقاطعة تابعة لولاية المغرب في الدولة الإسلامية التي كانت القيروان عاصمتها . لكن المسلمين أهملوا منطقة صغيرة في الجبال الوعرة شمال البلاد اتخذت منطلقا للغزو النصراني الذي قضى على دولة المسلمين في الأندلس مع مر العصور . هكذا وبعد الفتح أخذت الهجرة الإسلامية تنتقل إلى الأندلس بأعداد صغيرة من المشرق العربي ، وبأعداد كبيرة من شمال المغرب الأقصى المجاور . فكثرت أعداد كبيرة من شمال المغرب الأقصى المجاور. فكثرت أعداد المسلمين وارتفعت نسبتهم بين السكان باعتناق الأهالي الإيبيريين الإسلام بصفة جماعية . وعندما قدم عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس سنة 756 م كانت نسبة المسلمين قد ارتفعت ، وبذلك استطاع أن يؤسس دولة أموية قوية في الغرب اتخذ عاصمة لها مدينة قرطبة الواقعة على الوادي الكبير .
وقد أصبح المسلمون أغلبية في البلاد أيام الحكم الأموي حين وصلت الأندلس إلى أوج حضارتها وقوتها ، لا تضاهيها دولة في أوروبا آنذاك ، أما النصارى فعادوا أقلية صغيرة أضاعت
لغتها وتعربت واتخذت الأسماء العربية أسماءا لها . لكن هذه الأقلية بقيت كطابور خامس داخل الدولة الإسلامية مستعدة للانقضاض على البلاد في حالة ضعفها والتعاون مع كل غاز ومهاجم.ونظم النصارى الخارجون عن الدولة نفسهم في إمارات جبلية نائية شمال غرب شبه الجزيرة الإيبيرية ، ووصلت الدولة الأموية إلى أوجها أيام عبد الرحمن الناصر الذي حكم البلاد 49 سنة بين 912 و 921 م .
وبدأ الضعف يسري في الدولة الأموية أيام حفيد الناصر حين سيطر على الحكم حاجبه المنصور بن أبي عامر . وكان المنصور هذا من أحسن القواد ومن أبرع رجال الدولة . فأعاد للبلاد قوتها الأولى ووحدها تحت راية الإسلام من جديد ، لكن أبناء المنصور لم يكونوا في مستوى أبيهم ولا أحفاد الناصر في مستوى جدهم . زد على ذلك أن المجتمع الإسلامي الأندلسي أصبح مجزأ عنصريا . فالمنصور بن أبي عامر اضطر إلى تقوية جيشه بإعداد كبيرة من البربر المغاربة والمماليك السقالبة من فرنسا و إيطاليا وشمال أوروبا ، اعتنقت الإسلام عند وصولها إلى الأندلس .
فأصبحت في البلاد أربعة عناصر إسلامية : العرب والبربروالإيبيريون المسلمون والسقالبة المماليك . فعندما ضعفت الدولة الأموية ، أخذت هذه العناصر تتطاحن مع بعضها البعض فانهارت الدولة الأموية سنة 1031 م وتجزأت الأندلس إلى مجموعة من الدويلات العنصرية تحت حكم ملوك الطوائف قضت على الوحدة الأندلسية . و أصبح عدد هذه الدويلات الإسلامية الأندلسية 23 دولة ، منها العربية كبني عباد في إشبيلية وبني هود في سرقسطة ، ومنها البربرية كبني الأغطس المكناسيين في بطليوس وبني ذي النون الهواريين في طليطلة ، ومنها السقلبية كبني مجاهد وبني غانية في شرق الأندلس .
ولما أخذت الدول النصرانية تلتهم الدويلات الإسلامية ، استنجد الأندلسيون بالمغاربة . فعبر إلى الأندلس أمير المسلمين يوسف بن تاشفين المرابطي بجيش عظيم هزم به القوات النصرانية في معركة الزلاقة سنة 1086 م ، ثم ضم الأندلس إلى المغرب وقضى على ملوك الطوائف ، غيبر أن النصارى احتفظوا بالأراضي التي احتلوها ، مثل طليطلة الثغر الأوسط ، ولما ضعفت الدولة المرابطية أخذت الأندلس تتجزأ ثانية .
فاستنجد المسلمون بالموحدين المغاربة سنة 1145 م فأنجدهم بعد أن ضاعت مناطق أخرى في شرق الأندلس مثل سرقسطة .
وضعفت الدولة الموحدية وانهزم المسلمون انهزاما فادحا سنة 1212 م في معركة العقاب على يد القوات النصرانية ، وأصبح تدخل الدولة المغربية المرينية متواصلا لإنقاد ما تبقى من الأندلس ، لكن المرينيين لم يكونوا في قوة المرابطين والموحدين ، وأصبح المغاربة يخوضون معارك دفاعية مع النصارى لأول مرة في التاريخ على أرض المغرب . وسقطت مدن الإسلام الواحدة تلو الأخرى . وكانت الفاجعة الكبرى بسقوط قرطبة سنة 1236 م و إشبيلية سنة 1248 م وكانت آخر عهد الأندلس لولا عبقرية محمد الغالب ابن الأحمر الذي استطاع أن يجمع الكلمة حوله في جبال الأندلس الجنوبية . وبقيت الأندلس تشع بنورها في ذلك الجزء الصغير إلى سنة 1492 م. واستنجد الأندلسيون بالمسلمين ، ولكن هذه المرة لم يكن هناك من يجيب ، بل بكى المسلمون في الشرق والغرب على الأندلس بكاء العاجز ، ونذبها الشعراء من أهلها ومن غيرهم إلأى يومنا هذا كالشاعر الرندي صالح بن شريف المعروف بأبي البقاء الذي نظم قصيدة مطلعها :
لــكــــل شــيء إذا مــا تــم نـــقــصــــــان فــلا يــغـــر بــطــيــب العــيــش إنــســـان
إلى أن قال
دهى الجزيرة أمر لا غزاء له هوى له أحد وانهد ثهلان
أصابها العين في الإسلام فارتأزت حتى خلت منه أقطار وبلدان
فاسأل بلنسية ما شأن مرسية و أين شاطبة أم أين جيان
و أين قرطبة دار العلوم فكم من عالم قد سما فيها له شن
و أين حمص وما تحويه من نزه ونهرها العذب فياض وملآن
قواعدكن أركان البلاد فما عسى البقاء إذا لم تبق أركان
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف كما بكى لفراق الألف هيمان
على ديار من الإسلام خالية قد اقفرت ولها بالكفر عمران
حيث المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترشي وهي عيدان
ثم يستنجد بالمسلمين ويصف حالة الأندلسيين في يد النصارى يباعون في أسواق الرق فيقول :
يا له من لذلة قوم بعد عزهم أحال حالهم كفر وطغيان
بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم واليوم هم في بلاد الكفر عبدان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم عليهم من ثياب الذل ألوان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهم لهالك الأمر واستهوتك أحزان
يارب أم وطفل حيل بينهما كما تفرق أرواح و أبدان
وطفلة مثل حسن الشمس إذا طلعت كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهة والعين باكية والقلب حيران
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام و إيمان
ولنأخذ فكرة على هذا التقهقر الإسلامي في الأندلس بالأرقام من الجدول ( 1 ) حيث بينا مساحة الأراضي الإسلامية في الأندلس عبر العصور بالكيلومترات المربعة .
الجدول رقم ( 1 ) : مساحة الأندلس عبر العصور
العصر السنة الميلادية بالتقريب المساحة بالكيلومترات المربعة
عهد الولاة 740 700.000
عهد الأمويين أيام الناصر 940 440.000
عهد المنصور بن أبي عامر 1000 580.000
عهد المرابطين 1100 250.000
عهد الدولة النصرية 1450 30.00
3 - الإسلام في إسبانيا بعد سقوط غرناطة
عندما كان الإسلام يحكم إسبانيا تحت إسمها الإسلامي ( الأندلس ) كان معظم السكان مسلمين وكان كلما استعمر النصارى القادمون من الشمال أراض إسلامية جديدة هاجر كثير من المسلمين عنها وأتى النصارى بمستعمرين من المقاطعات النصرانية الشمالية . وبقيت تحت الحكم النصراني مجموعات إسلامية كبيرة كانت تعرف تحت اسم " المدجنين " وكان هؤلاء هم أصحاب الخبرة في البلاد ، غير أنهم كانوا يعاملون معاملة العبيد .
ولما وقعت مدينة غرناطة ، آخر المدن الإسلامية ، تحت قبضة النصارى عام 1492 م عقد هؤلاء معاهدة مع المسلمين يلتزمون فيها باحترام دينهم ومعتقداتهم . ولكن عندما استتب لهم الأمر نقضوا العهد و أجبروا المسلمين على التنصر . ولكن الإسلام في إسبانيا لم ينقرض بضياع غرناطة ، فلقد حافظ المسلمون على دينهم سرا جيلا بعد جيل وقاموا في كل هذه الأثناء بتعليم أطفالهم الدين الإسلامي . وكان كلما اكتشف أحد منهم حكمت عليه محاكم التفتيش بالإحراق حيا . وهؤلاء المسلمون في السر ، والنصارى في العلانية واسماء سماهم الإسبان " الموريسكوس " . ولقد ألفوا كتبا باللغة الإسبانية والحروف العربية ، وهي اللغة التي تسمى بالعجمية ، في سيرة الرسول ، r ، وتفسير القرآن وتعاليم الإسلام ، ولا زالت تلك الكتب موجودة في المكتبات الإسبانية . وحاول هؤلاء المسلمون الهجرة بدينهم إلى المغرب العربي كلما سنحت لهم الفرصة ، فكان يصل منهم سيل متواصل إلى الشواطئ المغربية . وفي عام 1568 م ، ثار المسلمون في جبال البشرات ، جنوب غرناطة ، تحت زعامة البطل المسلم " فرناندو دي بالور " الذي غير اسمه إلى محمد ابن أمية . ودامت الثورة ثلاث سنوات استبسل فيها المسلمون. لكنهم هزموا بعد ذلك ، واستشهد الكثير منهم بما فيهم زعيمهم محمد بن أمية رحمه الله ، وهرب الكثير منهم إلى المغرب .
وقد ذكر الأمير شكيب أرسلان في كتابه " الحلل السندسية " ( الجزء الأول ) ، قصة بعض الموريسكيين ، وكيف كانوا يكونون جمعيات سرية تعلم بعضها البعض الإسلام . كما جاء الباحث المصري محمد عبد الله عنان بقصة موريسكي آخر اسمه الشهاب الحجري الذي فر بدينه سنه 1597 م من ضواحي غرناطة ، وذهب إلى مرسى شنتمرية بالبرتغال ، وتنكر كإسباني من إشبيلية ، وركب بارجة برتغالية إلى مدينة الجديدة التي كانت تحت الاحتلال البرتغالي ، ومنها هرب هو وجماعة معه إلى مدينة آزمور المغربية .
وبقي الإسلام حيا في الأندلس بعد فشل ثورة جبال البشرات وتابع الإسبان مطاردتهم للمسلمين وحرقتهم أحياء كلما كشفوا أنهم على دين أجدادهم ، ولم ينطفئ أمل هؤلاء الأندلسيين في استرجاع بلادهم ، فأخدوا يستنجدون بالعثمانيين ، لكن لم تأت أي نجدة . وكان آخر هجوم لقوة بحرية إسلامية على الشواطئ الإسبانية تحت قيادة خير الدين بربروسة ، وال الجزائر ، سنة 1535 م .
ولما يئس من تنصير المسلمين ، أمر طاغيتهم سنة 1609 م بطرد جميع الموريسكيين عن إسبانيا ، بعد أن صادر كل أموالهم وأخذ كل أبنائهم الذين تقل أعمارهم عن الخمس سنوات. فخرج من إسبانيا حوالي ربع مليون مسلم إلى الشواطئ المغربية والعثمانية ، حينئد غيروا أسمائهم النصرانية إلى أسماء إسلامية وجهروا بإسلامهم في أرض الإسلام .
ولكن الإسلام لم يمت في إسبانيا بهذه الهجرة ، بل بقي دفينا في قلوب الكثيرين جيلا ببعد جيل . ففي سنة 1769 م ، ضبطت محاكم التفتيش مسجدا سريا في مدينة قرطاجنة أنشأه المسلمون المتنصرون ظاهرا .